الاستخلاف وأدبيات المعارضة البناءة !

5
0
لقد ارتبط وجود المعارضة بوجود الانسان كونها تزامنت في نشأتها مع اللحظات الاولى التي قرر الله سبحانه وتعالى ان يجعل له خليفة على الارض حيث تجسدت في ذلك الرد الاعتراضي المؤدب والحريص على الافضل الذي صدر عن الملائكة على اثر الحوار الذي تعمده الخالق عز وجل معهم عندما أوشك ان يخلق بشراً من طين وينفخ فيه الروح ليكون هو خليفته على الارض.

وقد اراد الله سبحانه وتعالى من خلال ذلك الحوار تعليم الانسان قواعد ومبادئ آداب المعارضة البناءة التي تمثلت تحديداً في غاية الملائكة من الاعتراض وهو ان يكون اختيار الخليفة مبنياً على الافضل لكي لايفسدوا في الارض ويسفكوا الدماء دون وجه حق كما حدث مع المستخلفين من قبلهم والذين لايعلمهم الا الله الكامل المطلق، وتلك الغاية هي نفسها التي منعتهم من الاستمرار في الاعتراض وتسليمهم بأفضلية خلق الانسان بعد ان شاهدوا البرهان القاطع على تلك الافضلية بما أوحى الله به الى آدم عليه السلام من علم المسميات التي عجزت الملائكة عن تسميتها.
وبالمقابل كانت المعارضة الهدامة قد تجسدت في خروج أبليس عن اجماع الملائكة واستمراره بالاعتراض وعدم تسليمه بأفضلية خلق الانسان على الرغم من ظهور الحقيقة وقد كان لاستمرار أبليس في الاعتراض حكمة آلهية الغرض منها ايقاع آدم عليه السلام في الخطيئة وعصيان أمر ربه ومن ثم وجود المبرر المنطقي الذي يتوافق مع العقل الذي كرم الله به الانسان عما سواه من المخلوقات لخروجهم من الجنة وهبوطهم الى الارض وفقاً لمشيئة الله عز وجل في الاستخلاف، ولكي تتحقق الحكمة الالهية من خلق الانسان واستخلافه على الارض كان لابد من وجود كل المتناقضات كالخير والشر..الحق والباطل.. الحياة والموت.. الهدى والضلال.. الايمان والكفر.. النور والظلام.. العلم والجهل.. العدل والظلم.. التقدم والتخلف.. الحرب والسلام.. الاحتلال والمقاومة.. الديمقراطية والديكتاتورية.. السلطة والمعارضة.. المعارضة البناءة والمعارضة الهدامة وحتى تصبح كل تلك التناقضات احدى آيات الله الدالة على وجوده ووحدانيته وعظمته وصدق كلامه ووعده المذكور في مختلف كتبه السماوية في كون الحياة على الارض مؤقتة وفانية كما كان لها بداية لاشك سيكون لها نهاية لايعلمها الا هو سبحانه المتنزه عما سواه وان الآخرة هي الحياة الابدية الخالدة والخالية من كل تلك المتناقضات فإما جنة ونعيم لاينقطع أو ينتهي واما نار حارقة لاتبقي ولاتذر.
وهكذا يتضح لنا بصورة جلية ان الانسان والمعارضة البناءة بينهما علاقة طردية ازلية ولايمكن للحياة على الارض ان تستقيم بأحدهما دون الآخر فلولا الانسان ماوجدت المعارضة البناءة ولولا المعارضة البناءة ماوصل الانسان الى ما وصل اليه من وعي ورقي وتقدم في شتى جوانب الحياة المختلفة وكلما ازداد اتساع هامش المعارضة البناءة في أي مجتمع كلما كان ذلك مؤشراً فعلياً على ارتفاع نسبة الوعي والمعرفة لدى الافراد ومن ثم مقياساً لمستوى التقدم الذي وصل اليه ذلك المجتمع.
والمعارضة البناءة منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام وحتى يرث الارض ومن عليها، سيظل منهجها ووسائلها وغايتها هي ذاتها في كل زمان ومكان لا تتغير او تتبدل مهما تغيرت المسميات.. فالمنهج الذي تتبعه أية معارضة بناءة في أي بلد ديمقراطي هو الحوار ولاشيء غير الحوار ويكون غايتها من ذلك الحوار الوصول الى الحقيقة بغية تحقيق الافضل للمجتمع الذي تندمج فيه، وأما وسائلها فتتمثل في الكلمة الصادقة والوعي والعلم والمعرفة.
ولن تتحقق المعارضة البناءة في أي مجتمع الا اذا بدأ افراد ذلك المجتمع ممارستها مع أنفسهم قبل ان يمارسوها مع غيرهم للتخلص من عبادة الذات وحب الأنا ولن يتم ذلك الا عندما يذوب وينصهر كل ماهو ذاتي وشخصي في كل ماهو موضوعي وتنتهي مصلحة الفرد امام مصلحة الجماعة اما اذا ظلت عبادة الذات وحب الأنا هي المسيطرة على الفرد فلا يمكن له بأي حال من الأحوال ان يمارس المعارضة البناءة وعلى العكس من ذلك ستلبسه المعارضة الهدامة ذلك لان عبادة الذات وحب الأنا تعني ان يمتلك الانسان العلم المطلق والحقيقة الكاملة والمعرفة الشاملة وهذا مايتعارض مع حقيقة خلق الانسان في كونه نسبي وليس مطلق الصفات لان الكامل المطلق هو الله جل شأنه واما الانسان فهو عبارة عن خليط من المتناقضات وفي حالة نقص دائم واحتياج مستمر الى الآخر.

الكاتب/ طلال عبده الجندي

 

إضافة منذ 12 عام
منقول

المصدر

صحيفة 26 سبتمبر

التعليقات

زغباوية منذ 12 عام
المعارضة تأتى من الاختلاف وهو سنة الله في الارض :
وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ﴿١١٨﴾ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجمَعينَ ﴿١١٩).....سورة هود
HoSSaM منذ 12 عام
زى ما قالت الزغباويه المعارضه سببها الأختلاف

ومفيش حاجه أسمها معارضه بناءه أو هادمه يا هندسه

المعارضه أما عن علم مثل الملائكه " قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء....حتى قوله تعالى إنى أعلم مالا تعلمون" وهذا يؤكد وجود علم عن حياة الإنسان عند الملائكه

أو معارضه عن حقد مثل أبليس حيث قال " أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين .... وعزتك وجلالك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين "

أو معارضه عن جهل مثل قصة أصحاب الكهف "قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحد"

ولا يوجد أى معارضه تخرج من هذه التصنيفات

المعارضه والأختلاف أساليب الحياه والتطور على الأرض
Ahmed Hussien منذ 12 عام
اولا
مع كامل الاحترام لحضرتك يا استاذ حسام مش عارف حاسس ان في تناقض فى تعليق حضرتك يعني بين السطر التاني وبين باقي التعليق، وبعدين وضعت تصنيف للمعارضة وكان الأولى تقول ان مفيش تصنيف للمعارضة !

ثانيا
اعتقد اما يكون الاعتراض له أسبابه المنطقية، ويبرز أخطاء الغير بصورة عادلة يبقى فعلا بناء، بالعكس ده انا شايف ان لو اتخاذ القرار عبارة عن نظام المعارضة البناءة لازم تبقى جزء مهم من النظام ده لانه فيه حوار وده اللى بيؤدي الى افضل قرار..
على عكس لما يكون الاعتراض بدون أسباب لمجرد الظهور فقط او ادعاء معرفة كل شئ (لايوجد إنسان كامل) اللى تقدر تقول عليه الاعتراض من اجل الاعتراض ده ممكن تقدر توصفه انه هادم لانه هيضيع الوقت في لاشئ..

هي دي وجهة النظر البسيطة اللى عاوز اوصلها
HoSSaM منذ 12 عام
أنا قلت مفيش حاجه أسمها معارضه بناءه وهدامه ودا حقيقى لأنها ترجع للشخصيه ذاتها

المعارضه لها ثلاث أنواع فقط دراسه مش تجويد منى
"عن علم ، عن جهل ، عن حقد"
عايز تصنفها بقى بناءه وهدامه دى حاجه ترجعلك بس برضو وفقاً لتصنيفك فهى مش هتخرج عن الأنواع الثلاثه وتقدر تجيب أى رأى معارض وتجرب بنفسك

أما عن وجهة نظرك صحيحه بس ناقصه رأى العلم وأنا كملتها بكلامى لأنه عن خبره ومعرفه بالأضافه للدراسه

أشكرنى ع المعلومه إن كنت تصدقها أو أبحث عن صدقها إن كنت فى ريبه وهى دى المعارضه البناءه:-O
HoSSaM منذ 12 عام
التصنيف هدفه تعرف أنا ليه بعارضك وإيه حجتى ودليلى إنما تأثير المعارضه عليك سواء "زادك إصرار على موقف أو هبط من عزيمتك"
ملوش دعوة بمعارضتى لك لأنه جزء من شخصيتك أنت وتختلف من شخص لأخر

اللهم قد بلغت ... اللهم فأشهد
Ahmed Hussien منذ 12 عام
. اختلف معك استاذ حسام أنا أرى أن التصنيف الذي ذكرته يرجع للشخصية بصورة أكبر يعني يمكنني القول معارض عالم، معارض جاهل و معارض حاقد.. لذلك أرى أن ما اقوله أشمل

. احترم جميع الدراسات ولكنها ليست بالكلام المقدس، وإذا اختلفت معها لم أرتكب إثماً !

. شئ يسعدني جداً أن تشهد لي بصحة وجهة نظري، لكن وصلني رأيك أولا انك لاتتفق معها

. يسعدني جداً النقاش والتحاور معك واشكرك على ذلك بشدة فأنا اقدر مدى ثقافتك، ولدي الشجاعة أن اقول أني على خطأ إن اقنعتني 😞

. تأكد أن الحالة النقاشية بالنسبة لي شئ فى غاية المتعة

. اخيراً.. اعتذر عن التأخر فى الرد وذلك بسسب مشكلة انقطاع التيار الكهربائي فأرجو القبول
زغباوية منذ 12 عام
اعتقد ان المعارض الحاقد هايكون اكيد معارض هادم لانه هايعارض وخلاص بكل ماعنده من قوة ونفس
اما المعارض العالم او الجاهل فممكن تدخل تحت بند المعارضة البناءة فلو تخيلناها عن جهل فهى سوف تتسبب فى علم من يُعارض فتؤدى انه هايكون عالم او الموضوع مش فارق معاه فمش هايكمل
اما ان تكون عن مُعارض عالم ودى فى الغالب بتكون اختلاف فى وجهات النظر والمفروض انها تكون بناءة للطرفين

وطبعاً لكل قاعدة شواذ
Ahmed Hussien منذ 12 عام
جميل جدا يا زغباوية انت وضحت الموضوع بصورة بسيطة، و ممتازة التقسيمة دي، وعلشان نخرج بنتيجة.. شايفة ايه الأصح ؟
1. المعارضة بناءة أو هادمة
2. المعارضة عن علم أو عن جهل أو عن حقد
زغباوية منذ 12 عام
ماشي ياباشمهندس تدبيسة دبلوماسية:(
والرد اكيد برضوا هايكون دبلوماسي
المعارضة سواء عن علم او حقد او حتى جهل إما ان تكون لها نتيجة ولو صغيرة فتكونبناءة او لمجرد المعارضة والهجوم فتكون هادمة
Ahmed Hussien منذ 12 عام
تمام كدة وصلني رأيك، واجابة دبلوماسية 100%
زغباوية منذ 12 عام
😞
HoSSaM منذ 12 عام
أختصاراً لكلامكم
إن المعارضه تنقسم لشقين
المعارَض : وتأثير المعارضه عليه بناء أو هدام
المعارِض : ودا إما عن علم أو عن جهل أو عن حقد
؟؟؟
zedony.com - A mmonem.com production. Privacy Policy