في زمن الدولة الأموية كان مسلمة بن عبد الملك أميرًا على جيش من جيوش الدولة الأموية. وكان مسلمة يحاصر بجيشه حصنًا من حصون الأعداء، واستعصى هذا الحصن على الجيش، فلم يستطع له فتحًا ولا اقتحامًا؛ فحرض الأمير مسلمة جنده على التضحية والإقدام حتى يحدث بعضهم في ذلك الحصن ثغرًا أو نقبًا،، فأمر مسلمة بن عبد الملك أمير الجيوش مجموعة من الجنود أن يتسللوا في الليل إلى سور الحصن وينقبوه (يفتحوه فيه فتحة)، فعملوا بجد حتى أحدثوا فتحة صغيرة في السور، فأحس بهم حراس الحصن، فرموهم بالسهام وكرات النار المشتعلة والزيت الحار فانسحبوا، وعادوا إلى معسكر المسلمين،ولم ينتبه الروم لذلك النقب الذي أحدثه المسلمون في السور، (وقيل النقب هو فتحة إلقاء الفضلات والقاذورات إلى خارج الحصن )..
ولما اشتد القتال، نادى مسلمة بن عبد الملك في الجيش:
من يتسلل من النقب ويفتح لنا أحد أبواب الحصن من الداخل، واجعله نائبا لي في قيادة الجيش، وأعطيه ما شاء من الأموال والغنائم؟
ولم يتقدم أحد، فقد كانت المهمة خطيرة جداً، وجنود الروم يقذفون كل من يقترب من الأسوار، بالسهام، والحراب، والحجارة والزيت الحار، فالموت مصير كل من يقترب من أسوار الحصن وبدأت المعركة لفتح الحصن،
فتقدم من وسط الجيش جندي ملثم غير معروف وقذف بنفسه إلى جهة الحصن غير مبال بسهام الأعداء ولا خائف من الموت، رغم الخطر وتقدم نحو النقب، ودخله واستطاع أن يفتح أحد أبواب الحصن، فاندفع الجيش الإسلامي إلى داخل الحصن كالسيل الجارف، وفتح الله عليهم وانتصروا على عدو الله.
وفرح مسلمة بذلك كثيرًا، وبعد الفتح نادى مسلمة في الجيش: أين صاحب النقب لينال مكافأته؟ ولم يتقدم أحد، وظل الحال أياماً والأمير مسلمة ينادي صاحب النقب فقال مسلمة:
إني أمرت حاجبي بإدخاله عليَّ حين يأتي فعزمت عليه( أي حلفت) ألا جاء. وكان يريد أن يخصه بجزء من الغنائم ويمجده.
حتى كان ذات ليلة جاء أحد الجنود إلى خيمة الأمير، وقال للحراس أنا أدلكم على صاحب النقب.
فأدخلوه على الأمير بسرعة، فقال الجندي:
إن صاحب النقب لن يكشف عن شخصيته إلا بثلاثة بشروط.
فقال مسلمة متلهفاًً: له ما شاء من المال والغنائم.
فقال الجندي: إن صاحب النقب يشترط هي:
ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تسألوه مَنْ هو، وألا تأمروا له بشيء.
فاستغرب مسلمة من ذلك، لكنه كان يريد أن يتعرف على الرجل، فوافق، فقال الرجل:
أنا صاحب النقب، وقد فعلت ذلك أيها الأمير حتى يكون جهادي خالصاً لله تعالى.
وأخذ عهداً على مسلمة ألا يكشف اسمه لأحد وخرج، ومرت مئات السنين ولم يعرف أحد ذلك الرجل الشجاع.
الله سبحانه وتعالى وحده يعرف هذا الرجل والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا دعا فيها قائلاً:
اللهم احشرنى مع صاحب النقب يوم القيامة {{uf:1384}}