في رأيي أن أهم وأخطر قضيتين يتداولها السلفيون واستثارتا الشيخ محمد لوضع هذا الكتاب هما: التكفير والتحريم استنادا على أحاديث من السنة النبوية تتناقض إما مع أحاديث أخرى أو مع عمود شريعة محمد (ص) الأساسي وهو القرآن. فقد قرأ الشيخ بفكره المستنير الخطورة على الاسلام والمسلمين من انتشار هذا الفكر المتحجر خاصة بين شباب المسلمين تحت يافطة استعادة مكانة الاسلام بطريقة العودة إلى تاريخ مضى خلف ما يقترب من قرن ونصف. ففيما يختص بقضية التكفير هم يتداولون حديث "...هل شققت قلبه؟" من حيث رسول الله ألا يأخذ مسلم بالنية بل بالبينة وقضية التحريم التي أقتصرت على الله عز وجل بنص كتابه وتحذيره لرسله أن يغلوا بما لم يحرم الله وأنذرهم بعقابه تعالى. وبكتابه عز وجل " اليوم أكملت لكم دينكم ......" فليس لأحد أن يزيد ولا لرسله كذلك.
وبقراءة عابرة فإن الفكر السلفي تبلور على يد تلاميذ المذاهب الفقهية والتي اقتصر بحثها في فقه العبادات ومنهج تصنيف أحكامها بإفعل ولا تفعل. وهنا أنفي عن أصحاب المذاهب كمفكريين أوجدوا مناهجهم أي دعوى لجمود الفكر وحصره وكذلك عزوفهم عن المراكز السيادية بالدولة هو في الحقيقة تصرف جلي يرسل رسالة مفادها انفصال الدين عن الدولة ولعلي لا أصدم القارئ بهذه الحقيقة. وأشير إلى قضية خلاف ابن حنبل مع المعتزلة بانه خلاف بعيد جداً عن السياسة وعن الدولة من الاساس. وكحقيقة هامة أن المجددون بالفكر الاسلامي يخرجون –على الأغلب- من حضن السلفيين ممن أضاء الله بصيرتهم من تلامذة السلفيين كالإمام إبي حامد الغزالي وابن خلدون والأفغاني ومحمد عبده وجيل المحدثين كشلتوت والباقوري وشيخنا الغزالي. وقبل الاسترسال أوضح أن مقصده بأهل الفقه أنهم أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة وتلاميذهم المتخصصين بعلوم الفقه والأحكام الشرعية. أما أهل الحديث فهم الدعاة – على شاكلة عمرو خالد أو عبد الكافي وأمثالهم من المشهورين بعصرنا. فأهل الحديث يهدفون إلى استثارة المشاعر بالترغيب أو بالترهيب لاستنهاض الهمم أو كف فساد عام. وهذه الفئة تم غض الطرف لها عن أحاديث وقصص نسبت للسنة بلا توثيق إطلاقاً
أهم قاعدة أساسية –وغير قابلة للتغييب- أن الرسول (ص) منع تدوين السنة بل أمر بحرق كل الرقائق التي اجتهد بعض الصحابة بتدوينها مما جعل أمر منع تدوينها مطلق. وأشير هنا أن الخلافة الراشدة أطاعت أمره (ص) طاعة لأمر الله عز وجل بان لا خيرة لنا في أمر قد قضى فيه الله ورسوله –لاحظوا معي واو العطف وليس أو العطف. واشترك شيخنا الغزالي مع كل المجددين في الارتكاز على هذه القاعدة كواحدة من الثوابت.
وعبقرية شيخنا في هذا الكتاب أنه جادل السلفيين من خلال قناعتهم بالمنزلة العالية للسنة وغالى بعضهم بأن اشتسهدوا بنسخ بعض آيات قرآنية بأحاديث. فقد وضع منهاجاً لهم بأن يعودوا إلى واضعي المذاهب المشهورة والتنبيه أنهم دققوا كثيراً في الأحاديث التي استندوا عليها في إصدار أحكامهم فرفضوا الأكثر منها ونبه بأنهم حرصوا على عدم تدوين الأحاديث –كالخلفاء- بل سردوه ضمن حجج الحكم الشرعي. ولعلها أقصر طريق لإحصاء عدد هذه الأحاديث واستخلاص نسبتها من مجموع الأحاديث التي تم تدوينها في كتب الصحاح وعلى رأسها الصحيحان. ربما ستدهشون من النسبة المتدنية لها. وأشير إلى أن استباحة تدوين الحديث تلت مرحلة تكون المدارس الفقهية.
وفي اسبصار نوراني للشيخ، رأى الضرر الكامن وراء فكرة السلفية التكفيرية الجهادية المستنهضة على يد البترول الخليجي التي استنهضت الوهابية كتاب الشيخ تركيز على الوهابية التي تقوم بتكفير أي مجتمع ثم تستبيحه ولا يضيرها الاستعانة بغير المسلمين كما حدث بالعراق وليبيا ومحاولاتهم الفاشلة بسوريا.
وقد استعان بمفارقات ذكية حيث أثبت أن الأحاديث التي استند الوهابيون عليه في تكفير مرتادي أضرحة الأولياء والاحتفال بالمناسبات هي أضعف بكثير من أحاديث التحريم التي فرضوها على الأمة.
أرجو أن أكون قد أوضحت ولا مانع لدي من الغوص أكثر في حالة عدم وضوح الفكرة. كما أكرر على طلبي أن يقرأ هذا الكتاب كل الشباب ليفتحوا فكرهم أمام تضليل كبير يتعرض له هذا الجيل بطغوة مال البترول.
وإلى لقاء ....
فايز إنعيم