نهاية عصر المعونة الأجنبية
قبل خمسين عاما كان المشهد فى بوسان، كوريا الجنوبية صورة مألوفة للمساعدات الدولية: أكياس من الحبوب مكدسة فوق رصيف ميناء متهدم. حيث كان البلد خارجا من الحرب، ويعتمد على المساعدات الخارجية لتلبية الاحتياجات الأساسية. ولكن عندما يجتمع الزعماء الوطنيون وقادة التنمية فى بوسان هذا الأسبوع لمناقشة مستقبل المساعدات، سوف يشاهدون مكانا مختلفا للغاية: خامس أكثر الموانئ التجارية ازدحاما فى العالم، ينقل التكنولوجيات المتقدمة إلى أنحاء العالم وهذه، باختصار هى المعجزة الكورية: التحول من بلد يعتمد على المساعدات إلى بلد مانح لها.
وينبغى أن يكون هدف العالم ضمان تحول مماثل لعدد أكبر من البلدان. وسوف يتطلب ذلك استثمار نجاح المساعدات، وتوسيع نطاق تفكيرنا ليتجاوز المساعدات من أجل تعزيز الدول والأسواق، وتطوير مجموعة جديدة من العلاقات العالمية لمعالجة القضايا العالمية. ويعتبر كل من هذه التحديات، بطبيعة الحال، صعبا فى حد ذاته، لكنه أيضا واضح وقابل للتحقيق. وأعتقد أنه فى غضون جيل واحد لن يكون هناك بلد بحاجة للاعتماد على المساعدات. وينسحب هذا الأمر على جميع أنحاء العالم، خاصة فى أفريقيا؛ القارة الأكثر اعتمادا على المساعدات والتى ينصب عليها عملى.
•••
وتسير الأمور بالفعل فى الاتجاه الصحيح. فبينما شهد الغرب عقدا من النمو البطىء مؤخرا، عوضت الاقتصادات الناشئة هذا الركود، حيث زاد حجم 19 اقتصادا، من بينها ثمانية فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أكثر من الضعف فى الفترة من 2000 إلى 2010. وفى الوقت نفسه، تشهد الرعاية الصحية والتعليم تحسنا. وكمثال واحد فقط زاد عدد الأشخاص الذين يتلقون العلاج لمرض الإيدز فى الفترة من 2003 إلى 2008 عشرة أضعاف عما كان عليه الحال قبل عقد من الزمان. وبينما جذب الربيع العربى بحق انتباه العالم فإن التغيير السياسى المطرد جنوب الصحراء الكبرى، سيكون مهما بنفس القدر على المدى الطويل. وفى الثمانينيات جرت ثلاثة انتخابات حرة حقيقية فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فى العقد الماضى تم إجراء 25 انتخابا جديدا. ونشأ جيل جديد من القادة المنتخبين ديمقراطيا، حريص على دفع بلاده إلى الأمام.
وقد لعبت المعونات دورا مهما فى هذا التقدم، خاصة تحسين الصحة والتعليم عبر أهداف النمكية فى الألفية. ويعتبر الوفاء بالتزامات المعونة التحدى الأول أمام البلدان الغنية. ووفقا لتقديرات بيل جيتس، من شأن الوفاء بوعود المساعدات الحالية أن يولد 80 مليار دولار اضافية سنويا من أجل التنمية، وهو ما يترجم إلى إنقاذ الملايين من الأرواح، وتعليم الملايين من الأطفال.
•••
ولكن المعونات وحدها لا تكفى. فتقدم التنمية يعتمد فى نهاية المطاف على أسلوب الحكم والنمو. وتحتاج جميع المجتمعات بصرف النظر عن مدى ثرائها إلى حكومات تستطيع تحقيق تحسينات ملموسة فى حياة مواطنيها، ويمكن إخضاعها للمساءلة عن النتائج. وهى تحتاج إلى اقتصادات تولد الثروة وتحسن مستويات المعيشة للجميع. ويتطلب هذا نهجا جديدا.
ولتعزيز أسلوب الحكم، يجب علينا مساعدة الحكومات على تطوير القدرات التى تحتاج لتقديمها إلى مواطنيها. ويعتبر أسلوب الحكم أو كيفية إنجاز الامور التحدى الأكبر أمام الحكومات فى جميع أنحاء العالم. ومنذ أن تركت منصبى كرئيس للوزراء، ركزت اهتمامى على هذه القضية من خلال مبادرة نهج الحكم فى أفريقيا، التى تعمل جنبا إلى جنب مع الزعماء السياسيين لمساعدتهم على إصلاح وبناء أنظمتهم حتى يتمكنوا من تنفيذ خطط التنمية ومعالجة الفقر.
ويتطلب دعم النمو الاقتصادى التحرك من جميع الأطراف. فعلى زعماء الاقتصادات الناشئة ضمان قدرتها على جذب الاستثمارات المستدامة رفيعة المستوى، وأن تكون القوانين واضحة ونافذة؛ وان يعملوا معا من أجل إزالة الحواجز التجارية الإقليمية. ولكن العالم الغنى له دور فى فتح أسواقه وضمان نزاهة قواعد التجارة العالمية.
ويقودنى موضوع تقاسم المسئوليات إلى التحدى الثالث؛ وهو بناء مجموعة جديدة من العلاقات العالمية. وحتى، ونحن نعالج التحديين الأولين، نحتاج إلى إعادة التفكير جذريا فى الطريقة التى تتفاعل بها البلدان الغنية والفقيرة، وبدء الانتقال من التفكير بمنطق مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة، إلى فهم كيف يمكن أن يسهم الجميع فى تحقيق الأهداف المشتركة. لقد تغير العالم، وقضى بروز الصين والهند باعتبارهما مركزى قوة اقتصاديين، على أهمية الفروق القديمة. كما تحتاج القضايا الكبرى اليوم إلى تحرك عالمى. ويعتبر الأمن من القضايا التى لا يستطيع بلد، سواء كان غنيا او فقيرا، معالجتها وحده. ومن بين القضايا الأخرى التغير المناخى، وكيف ندير الموارد النادرة مثل المياه أو البترول. وتؤثر هذه القضايا العالمية، تأثيرا هائلا على التنمية، ولدينا جميعا مصلحة مشتركة فى تحقيق نظام مالى أكثر استقرارا. فهذه القضايا العالمية ذات تأثير كبير على التنمية، ونحن بحاجة لبناء النظم الدولية التى يمكن أن تعالجها.
•••
فى السنوات الأخيرة، زرت موانئ غرب أفريقيا فى فريتاون، وسيراليون، ومنروفيا، وليبيريا، مرات عديدة. وكل منها كان مركزا لصراع وحشى فى العقد الماضى، وكان تدميره رمزا لما تحطم فى مجتمعه. ولكن مع إعادة بنائه وتنشيطه، صار نوعا مختلفا من الرموز لشعبه: منارة للتقدم، والانفتاح على العالم الأوسع، وتقرير المصير. وإذا تحرك المجتمع الدولى بجرأة فى اجتماع هذا الاسبوع فى كوريا الجنوبية من أجل وضع خطة جديدة للتنمية، يمكن أن يصبح ميناء بوسان نفسه رمزا يحتذيه فريتاون ومنروفيا.
هذا ما ذكره تونى بلير عن المساعدات