يُحكى أن تاجراً عرفه الناس بقسوة القلب وكان هذا التاجر يشترى عبداً كل عام ليعمل عنده سنة كاملة فقط ثم يتخلص منه لكن ليس بتسريحه وإطلاق العنان له ليبحث عن عمل آخر أو سيد آخر بل كان يرميه لكلاب عنده يكون قد منع عنهم الطعام أياماً معدودات فتكون النهاية بالطبع لذاك العبد مؤلمة جداً
كان هذا التاجر يعتقد أن التخلص من خدمه بتلك الطريقة إنما هو طريقة للتخلص من مصدر ربما يكون قد عرف الكثير من أموره وأسراره فإن الخدم فى البيوت يطّلعون على أمور كثيرة وأسرار عدة
قام التاجر كعادته السنوية بشراء عبد جديد وقد عُرف هذا الجديد بشىء من الذكاء .. ومرت عليه الأيام فى خدمة سيده حتى اقترب وقت التعذيب السنوى .. جمع التاجر أصحابه للإستمتاع بمشهد الكلاب وهى تنهش فى لحم العبد المسكين وكان كعادته قد توقف عن إطعام الكلاب عدة أيام حتى تكون شرسة للغاية .. لكن أدهشه ما رأى
ما إن دخلت الكلاب على العبد حتى بدأت تدور حوله وتلعق عنقه فى هدوء ووداعة لفترة من الزمن ثم نامت عنده !!!
احتار التاجر لمنظر كلابه الشرسة قد تحولت إلى حيوانات وديعة رغم جوعها .. فسأل العبد عن السر .. فقال له :
يا سيدى لقد خدمتك سنة كاملة فألقيتنى للكلاب الجائعة فيما أنا خدمت هذه الكلاب شهرين فقط فكان منها ما رأيت !!!
الحكمة هنا :
إن نكران الجميل أمر صعب على النفس البشرية ولا يمكن قبولها وتحدث من الألم النفسى الشىء الكثير .. الفطرة السليمة والذوق السليم عند أى إنسان أن من يقدم لك جميلاً أن ترد بالمثل أو أجمل لا أن ننكره أو نرد عليه بالأسوأ
لو بحثت فى ذاكرتك قليلاً لوجدت أن ما يحدث مع كثيرين وللأسف لا يرتقى لموقف تلك الكلاب الجائعة إذ على الرغم من شراستها بسبب التجويع إلا أنها لم تنس أن العبد كان رحيماً بها فترة من الزمن .. وقدم من الجميل وصنائع المعروف لها الشىء الكثير فاحتفظت بذلك فى الذاكرة حتى إذا ما جاء وقت رد الجميل كان واقعاً ومتجسداً عجيـباً ومضرباً للمثل
إن نكران الجميل من الأخلاقيات غير المرغوبة وتتأذى منها النفس البشرية السوية وقد تعلمنا أن الجميل يُرد بالجميل والتحية بأحسن منها وليس كما قال الشاعر قديماً يصف نكران الجميل لدى ابنه :
أعلمه الرماية كـل يـــــوم ..... فلمّا اشتد ساعده رمـانـى وكم علمته نظم القوافى ..... فلمّا قـال قــافـيـة هجـانــى