تعرف ايه عن الفهلوه؟

نشرت مجلة "المصوّر" (9 كانون الأول 2005) تحقيقاً عن ظاهرة "الفهلوة" (التشاطر) في مصر.

من هذا التحقيق نقتطف:
الفهلوة كلمة مشتقة من كلمة فارسية، ولكنها للأسف الشديد صارت نمط حياة لنا في مصر!

لقد تفشت الفهلوة في مجتمعنا على نحو مرضي..

علماء الاجتماع اختلفوا في تحديد خطرها..

1- البعض منهم يرى أنها سلوك طارئ على المجتمع المصري أو اضطراري نفعله في البداية رغماً عنّا لقضاء المصالح ثم مع الوقت إن لم نتنبه تصبح سلوكاً دائماً لنا..

2- وآخرون يرون أنها صارت مرضاً مزمناً يحتاج لعلاج ناجع.

كما اختلفوا في تحديد أسبابها أيضاً.. منهم من أرجعها الى ما تعرّض له المجتمع من تغيّرات.. ومنهم من أرجعها الى غياب تطبيق القانون.
لكن الجميع اتفقوا على أن تطبيق القانون على الجميع يحاصر هذه الجرثومة التي يمكن أن تلاحظها بسهولة من دون مجهر تخرج لسانها لكل ما هو علمي وجاد.

ماذا حدث بالضبط للمصريين؟
من أين جاءتنا جرثومة الفهلوة وتغلغلت؟
من أين جاءت أمثلة شعبية مثل
.
.
.
"الرزق يحب الخفية"،
"الشاطرة تغزل برجل حمار"،
"إحنا اللي دهنا الهواء دوكو"،
"أفهمها وهي طايرة"،
"كبر دماغك"،
"الكلام ليس عليه جمرك"،
"جاب السبع من ديله"....
.
.
.
وكيف تحوّلت الفهلوة من أريحية مصرية الى بلوى تهدد هذا البلد؟

معنى كلمة الفهلوة قد تحددها لنا بداياتها الأولى.. فالكلمة مشتقة من كلمة فارسية هي بهلوي وهي تطلق على من يتميّز بالشجاعة وسعة الحيلة..

وإذا أدركنا أننا عانينا في تاريخنا من ثماني فترات تحت السيطرة الأجنبية بدأت بالفرس فقد يفسّر لنا هذا الوضع إما اكتسابنا لهذه الصفة من الفرس وإما لجوؤنا إليها في ظل حكمهم، كما أن معنى الكلمة يؤكد أنها بدأت بسعة الحيلة أي بالذكاء لكن يبدو أنه من طول فترات المعاناة تحوّلت سعة الحيلة الى احتيال..

ومثل كلمة فهلوي نجد أونطجي، وهي مأخوذة عن "أفنطة" وهي كلمة يونانية معناها حيلة، مما يؤكد أنها وردت إلينا مع الاحتلال أيضاً..

يقول د. جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية والمفكر الاجتماعي: "الحراك الاجتماعي الذي شهدته مصر في الخمسين عاماً الأخيرة لم تشهد له مثيلاً في العصر الحديث هذا الحراك الاجتماعي كان من الممكن أن يصبح .....إيجابياً...... لو ارتبط بقيمة علمية أو ثقافية لكنه يصبح ..... سلبياً.... عندما يرتبط بالمال..

الانفتاح غير المنضبط في السبعينات أحدث انقلاباً في منظومة القيم فتحول المصري من الإنتاج الى الاستهلاك، حدثت خلخلة لطبقات المجتمع وقيمه وتآكلت الطبقة الوسطى فصارت الخطوط الفاصلة بين الخطأ والصواب غير واضحة..

لذلك غابت إيجابيات الفهلوة لتظهر سلبياتها.
ففي الفهلوة الذكاء وفهم الشخص الذي نتعامل معه، وفيها "حداقة" واستغلال للفرص، الفهلوي نشط وخفيف الظل مما يسهل له مأموريته وكلمة "الرزق يحب الخفية" كانت تستخدم كتعبير إيجابي يدل على النشاط والمرونة وخفة الظل ولا يدل على خفة اليد والضمير...
والفهلوة المصرية صفة حضرية أي ترتبط بالحضر فالريف ليس فيه فرص للحياة بل الإيقاع فيه رتيب لذلك لا يعلم الريفي الفهلوة، لكنه عندما يأتي الى المدينة يتعرّض لأكثر من موقف فتتربى لديه الفهلوة حتى يمكنه الحياة في مجتمع المدينة.

والمدينة المصرية والعالم الثالث عموماً تظهر فيه الفهلوة، فالصناعة فيها ثانوية وتقوم على تقديم الخدمات مما يحتاج إلى الفهلوة للحصول على المنفعة. وعلى الرغم من شيوع هذه الظاهرة في مدن العالم الثالث إلا أنها أكثر في مصر.