«افتح يا ريس» قد تبدو غريبة علي مسامعك تلك الجملة، لكنها بالقطع جملة مألوفة اعتاد سماعها كل من ارتاد مركباً سواء كان سياحياً أو نقل بضائع في المسافة بين أسوان والأقصر، فما أن يبدأ المركب في الخروج من أسوان في اتجاه الأقصر حتي تدوي هذه الجملة عاليا، ليتم صرف جميع مخلفات هذه المراكب في نهر النيل علي امتداد الرحلة.
360 كم تمثل امتداد نهر النيل من النقطة الأولي لقدومه إلي مصر بأسوان حتي حدود محافظة الأقصر شمالا يتعرض فيها النهر لأقصي أنواع التلوث، حتي يبدو أن من قالوا إن الحياة تبدأ من هنا في الجنوب يقصدون الحياة الأبدية في الآخرة، فما يحدث من تلوث في نهر النيل هو وصمة عار ونقض لعهد توارثناه أجيالا بعد أجيال منذ فجر التاريخ للحفاظ علي هذا الشريان الذي به ومنه وعليه نعيش.
وإذا تحدثنا عن التلوث الذي تنطلق رحلته من أسوان مرورا بكل نجع وقرية ومدينة حتي تنتهي إما في دمياط أو رشيد فلابد أن نبدأ بمصرف السيل القاتل الذي يحمل كوكتيلاً من الملوثات صرف صحي وصناعي وحيوانات نافقة وقمامة وحشرات، فمن مصنع كيما توضع اللبنة الأولي في التلوث بالصرف الصناعي الذي لا يفرق إن كان معالجا أوغير معالج ثم تمر الرحلة عبر 8 كيلومترات حاملة صرف مناطق عزب كيما والسيلين الشعبي والريفي وخور عواضة والناصرية والحكروب المعروفتين بالصين الشعبية، حتي تلقي بهذه المخلفات في النيل وعلي بعد خطوات من المراسي السياحية.
ورغم أن عمر المصرف قد تجاوز 5 عقود باعتباره مخرا طبيعيا للسيول إلا أنه ظل بصورته السيئة حتي تدخل كل من اللواء سمير يوسف ومن بعده اللواء مصطفي السيد المحافظين السابقين لإخفاء بشاعة المنظر بتغطية أجزاء منه علي طريقة المثل الشعبي المعروف «من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله»، فكان ذلك أقرب للمسكنات التي تضر ولا تفيد وفي النهاية تبقي الخطورة قائمة بعلم ودراية وزارة البيئة التي تدفن رأسها في الرمال.
الغريب أن هناك أحكاماً قضائية قد صدرت من محكمة أسوان الابتدائية عام 1998 بوقف هذا الصرف والتنبيه علي عدد من المنشآت بتوفيق أوضاعها وإلزامها بدفع 1000 جنيه غرامة تأخير يومية وهو ما يعني أن مقيمي الدعوي ومن بينهم عضو مجلس الشوري السابق شرعي صالح ونقيب الصيادلة السابق هشام عبد الله وآخرون يداينون الحكومة بملايين الجنيهات، (من جملة ديون حكومة ما قبل الثورة التي تدين بها للشعب المصري).
ومن مصرف السيل الذي نتحدي أن يستطيع بشر أن يتحمل الرائحة الكريهة التي تنبعث منه إلي مصرف الساخن في كوم أمبو الذي سمي بالساخن بسبب ارتفاع درجة حرارته كنتيجة طبيعية لما يحمله من ملوثات المخلفات الخاصة بمصنع السكر، وبنفس الطريقة يلقي مصنع إدفو بجسم جريمته في قلب النيل ويكتفي المسئولون عن أجهزة شئون البيئة بالمشاهدة وتدوين الملاحظات.
وتبقي الكارثة الكبري التي يستحق منفذوها أقصي العقوبات متمثلة فيما ترتكبه الفنادق العائمة من جريمة في حق الإنسانية طوال رحلتها من الأقصر إلي أسوان في مسافة تصل إلي240 كيلو متراً بفتح خزانات الصرف الصحي في قلب النيل الذي يصرخ ويستنجد ولا حياة لمن تنادي.
ويصل عدد الفنادق التي تتخذ من النيل مسرحا لجريمتها ما يقرب من 325 فندقا وأقل ما يخلفه الفندق الواحد يصل إلي30 متراً مكعباً يوميا بالإضافة إلي 5 لترات من الزيوت والشحوم وهكذا.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية أخطر 36 كيلو في حياة نهر النيل
أن الحكومة السابقة كانت تصر علي تسميم المياه التي يشربها المصريون مثلما سممت كل شيء آخر في حياتهم، فعمدت إلي نقل المواد البترولية في النيل ومن سوهاج إلي أسوان عبر صنادل متهالكة عفي عليها الزمن.
ويقول الدكتور مجدي يونس الأستاذ بكلية العلوم بأسوان إنه سبق أن تقدم بنتائج دراسة علمية عن التقييم الميكروبيولوجي والكيميائي لكفاءة البنتونيت كتقنية جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي في مدينة أسوان لإعادة استخدامها في أغراض الزراعة والري والصناعة في عام 1993 ولكن وحتي الآن لم يؤخذ بها دون إبداء الأسباب.
المصدر: الاخبار