تعتبر تربية الأبناء من المسؤوليات العظيمة التي سيُسأل عنها الوالدان، فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بحسن التربية، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" سورة التحريم الآية 6.
وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
والأخطاء في تربية الأطفال لها سلبيّات وانعكاسات كبيرة على الفرد والمجتمع لذلك يجدر بالأولياء أن يكونوا حريصين على حسن تأدية الرسالة وتجنّب الأخطاء التي قد تكون عن حسن نيّة أو لقلّة المعرفة بأساليب التربية خاصّة وأنّ لها آثارا سلبية على استقامة الأبناء وصلاحهم ومن الأخطاء التي يمكن الوقوع فيها نذكر:
الإفراط في الدلال والتسامح: يؤثر الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من طرف الأم على تصرفات الطفل وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء وكثرة الخوف وضعف الثقة بالنفس ويصبح الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين، أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة، لأنه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث التي قد يتعرض لها، كما تجعل لطفل يعتقد أن كل شيء مسموح به على اعتبار أنّ ذلك ما كان ما يجده في بيئته الصغيرة، فإذا ما كبر وخرج إلى بيئته الكبيرة وواجه القوانين والأنظمة التي تمنعه من ارتكاب بعض التصرفات، ثار في وجهها وقد يخالفها دون مبالاة.
عدم العدل بين الأبناء: يعمد الأولياء أحيانا إلى التفريق بين أبنائهم في المعاملة وتفضيل طفل على آخر مما يساهم في زرع الغيرة في نفوس الأبناء وتدعم روح العداء بينهم مما يكون سببا للعقوق والكراهية بين الأشقاء، وقد حذّر الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام من مغبّة عدم العدل بين الأبناء فقال "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" وقال أيضا: "اعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف".
وقد يكون الظلم للبنت أكثر، بسبب رواسب الجاهلية عند البعض، فيحرم ابنته من الميراث ويفاضل الذكور من أبنائه عليها، وينسى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ـ يعني الذكر ـ أدخله الله الجنة".
التحقير والإهانة: يفرط بعض الآباء أحيانا في تحقير كل ما يقوم به أبنائهم والتحقير من شأنهم ومقارنتهم بغيرهم من الأطفال متناسين اختلاف القدرات والمواهب والإمكانيّات لكل طفل مما يجعل الطفل عديم الثقة بنفسه قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه كثير الخجل أمام الناس وفي المواقف الحرجة كما .يولّد فيه كرها ونقمة على الأب، بينما كان من الأجدر والأولى بالوليّ أن يُنبّه ولده إلى الأخطاء التي يقع فيها برفق ولين مع تدعيم قوله بالحجج التي تُقتنع الطفل وتجعله يتقبّل تدخّل والده.
تأجيل التربية: يعتقد بعض الأولياء أنّ الطفل في سنواته الأولى لا يفقه شيئا وأنّ التربية تبدأ في سنوات متقدّمة بينما يبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب، كما تعمد بعض الأمّهات إلى عدم السماح لولدها بمزاولة الأعمال التي أصبح قادرا عليها اعتقادا منها أنّه لا يزال صغيرا ولكن ذلك يفقده الثقة بنفسه وتحول دون إقدامه على تحمّل المسؤوليّة والانزواء عن المجموعة ويتعوّد على الكسل والتواكل.
الإفراط في الصرامة والشدّة: بداعي التربية الصحيحة والابتعاد عن الدلال يقسو بعض الأولياء على أبنائهم لدفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة متناسين أنّ القسوة قد تأتي برد فعل عكسي فيكره الطفل الدراسة أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات أو يتوجّه نحو الانحراف والإدمان، كما إن القسوة المفرطة ليست حلا ولا هي الطريق لإصلاح الأبناء بل يمكن أن تلحق بهم أضرارا جسديّة لا ينفع معها النّدم.
قد توضّح هذه الأبيات إلى أي حد يمكن أن تكون تداعيات القسوة والعنف المُسلّط على الأطفال:
كسر الغلام زجاج نافـذة البنا
من غير قصد شأنه شأن البشر .
فأتاه والده وفي يـده عصـا غضبان كالليث الجسور إذا زأر
.
مسك الغلامَ يدق أعظم كفه
لم يبق شيئاً في عصـاه ولـم يذر .
والطفل يرقص كالذبيح ودمعـه يجري كجري السيل أو دفق المطر
.
نام الغلام وفي الصباح أتت له
الأم الرؤوم فأيقظـته على حذر.
وإذا بكفيه كغصـن أخضـر صرخت فجاء الزوج عاين فانبهـر
.
وبلمحة نحو الطبيب سعى بـه
والقلب يرجف والفؤاد قـد انفطر.
قال الطبيب وفي يديـه وريقـة عجّـلْ ووقّـعْ هاهنا وخذ العبر
.
كف الغـلام تسممت إذ بالعصا
صـدأ قـديم في جوانبها انتشـر .
في الحال تقطع كفـه من قبل أن تسري السموم به ويزداد الخطر
.
نادى الأب المسكين واأسفـي على
ولـدي ووقّـعَ باكـيا ثم استتـر.
قطع الطبيب يديــه ثم أتى بـه نحو الأب المنهـار في كف القدر
.
قـال الغـلام أبي وحـق أمـي
لا لن أعود فـرُدَ مــا مني انبتـر .
شُــدِهَ الأب الجاني وألقى نفسـه مـن سطح مستشفىً رفيـعٍ فانتحر^.
.........
.......
.....
...
..
.
منقول