عادة الأهالي عندهم نظريات إن عيالهم مش نافعين في أي حاجة، وإنهم حفنة من الفشلة اللي اختياراتهم كلها سيئة، ومابيسيبوش فرصة تعدي إلا لما يفكروا عيالهم بفشلهم ده. وطبعاً تعريف الفشل والنجاح مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتجاربهم هما، واللي اتربوا عليه من أهل تانيين ليهم بالضرورة تعريفات خاصة بالفشل والنجاح. وبيفضل الفشل والنجاح موروث عمال يتنقل من جيل لجيل كأنه كتاب مقدس ماينفعش حد يبدل كلامه.
يعني مثلاً لو في أجيال سابقة في عيلتك كان الجواز معيار لنجاحك كإنسان، فأنت لو ماتجوزتش عيلتك كلها هتبقى شايفاك فاشل وكمان بتضر بصورة العيلة كلها لأنك جزء من برواز فيه ناس كتير لازم تبقى على مزاجهم علشان البرواز يعجب. لو عيلتك كلها دكاترة ودي الحاجة اللي بيتفشخروا بيها على البشرية، فلو ماطلعتش دكتور إذاً أنت فاشل بالضرورة.
عيال كتير بتتعقد من سن صغير وبتفقد ثقتها بنفسها بسبب فكرة الفشل اللي دايماً حاسة إنه مش بإيدها، لأن اختيارات الأهل عمرها مابتراعي الفروق الفردية للأشخاص وقدراتهم ورغباتهم. يعني ممكن تبقى هتموت ابنك يبقى مهندس وهو أصلاً ماينفعش يدرس مواد فيها أى نوع من أنواع الرياضيات، مش لعبته ومش شاطر فيها ومش بيحبها ودراستها صعب جداً عليه. وعلى الناحية التانية ممكن يبقى الولد ده شاطر جداً في مادة تانية ولو كنت اديتله مساحة كان زمانه عمل فيها إنجاز حقيقي أو حتى ماعملش بس درس حاجة بيحبها وبقى مرتاح.
العيال في سن صغير بيبقى عندها طاقة للتجربة والنجاح والفشل وبيتعلموا لسه أصلاً يعني إيه الكلام ده، لو حسستهم إن الفشل ده شيء مر وسخيف هيخافوا يجربوا وهيفوتوا فرص كتير كان ممكن تخليهم يعملوا حاجة بيحبوها. الفشل مش المفروض يترسخ في ذهن الأطفال على إنه شبح، لكن لازم يفهموا إنه نتاج طبيعي وارد لأي تجربة، وإنه فرصة لتوسيع المدارك وتغيير المسار مش نهاية الطريق.
بلاش كلام أنت مش نافع في حاجة، والأول عالفصل أحسن منك في إيه، وشايف ولاد طنط سهير عاملين إزاي، وياريتني جبت منك دستة، ويا خبتي في عيالي وجو التبكيت اللي مالوش معنى ده لعيالكم. عرفوهم إن النجاح والفشل مش حاجة بنسعى ليها ولا بنجري منها، لكنهم نهايات طبيعية لأي تجربة جديدة بنعيشها أو حاجة بنمر بيها، وإنهم مش مقياس لتقييمنا كأفراد بأي شكل، وإن أصلاً مالهمش كتالوج بتعريفات ثابتة على كل الناس.
النجاح بالنسبة لي مثلاً مقرون براحتي النفسية، لو اخترت اختيار ريحني نفسياً بعتبره اختيار ناجح، بغض النظر عن تقييمات الخلق كلها للاختيار ده والعكس. وبالنسبة لغيري هو هدف معين عاوز يوصله في شغله أو حالة معينة من الاستقرار يسعى لها في علاقاته أو فلوس تخليه مرتاح مادياً بقدر محدد.
والفشل بالنسبة لي فرصة ظريفة لفهم حاجات جديدة هتساعدني بكره في اختياراتي، ولو ماساعدتنيش فهي على الأقل عرفتني حاجات ماكنتش أعرفها.
زودوا ثقة عيالكم في التجربة وعلموهم إن الفشل صاحب مش عدو، آه نفسنا ننجح، بس عارفين إن الفشل موجود وكتير ومش وحش خالص لأنه فيه احتمال كبير يقربنا من نجاح ما؛ لو اتعلمنا منه وعدلنا اختياراتنا، عرفوهم إنكم مش بتقيموهم بنجاح وفشل تجاربهم وإنهم مقبولين ومحبوبين في كل الأحوال، قدمولهم مساعدة لما يطلبوا من غير تنظير على اختياراتهم، حاولوا تبقوا ملهمين ليهم مش جبل على قلب عيال عندها شغف تجرب وتشوف الدنيا فيها إيه.
الأهم تحسسوهم إنهم ليهم ظهر لا بيحكم ولا بيتحكم لكن بيسند ويساعد. خلوهم يجربوا كتير ويفشلوا كتير وينجحوا إن أمكن ويحبوا اختياراتهم الوحشة قبل الحلوة؛ لأن كله في الآخر بيزود معرفتهم وثقل تجاربهم الحياتية، ماتعلقوش فشلهم عالحيطة يقتل فيهم الشغف ناحية التجربة لحد مايعجزوا في العشرينيات