يُنظر إلى بعض الأطفال على أنه فوضوى .. مندفع .. عدوانى .. شقى .. غير مبال وهذا ما يجعله موضع شكوى من المعلمين والوالدين , دون أن يعلموا أن هذا الطفل يعانى من النشاط الحركى الزائد , ولا يستطيع معه أن يسيطر على سلوكه واندفاعه وعدم انتباهه , ولا يمكن أن يبقى هادئا فى مكانه , بل يرغب وبشدة فى أن يمارس نشاط الجرى والقفز باستمرار وفى أى مكان : المنزل , المدرسة , الشارع دون هدف محدد وهذا يسبب قلقاً للآخرين ممن يتعاملون معه . ويكون هذا الاضطراب مصحوباً بضعف التركيز مع التشتت الذهنى مما يؤثر بالتالى على مستوى تحصيله الدراسى وعلاقاته الاجتماعية بالرغم من ذكائه .
مع التنبيه هنا إلى أن بعض الأطفال قد يصابون بنقص الانتباه والتشتت فقط دون النشاط الحركى الزائد . كما أن ما يظهر على بعض الأطفال من النشاط الحركى المقبول غير المصحوب بنقص الانتباه والتشتت لا يعد اضطراباً .
إن اضطراب النشاط الحركى الزائد تتعرض له نسبة غير ضئيلة من الأطفال . ومن الضرورى العناية بهم وعلاجهم . وفى السطور القادمة سوف نلقى الضوء على ذلك الاضطراب من خلال تعريفه وذكر أسبابه وطريقة علاجه وكيفية التعامل مع من يعانون منه من الأطفال بأساليب إرشادية مناسبة .
فالنشاط الحركى الزائد يعرف بأنه حركات جسمانية تفوق الحد الطبيعى المعقول . ويعرف أيضا ً بأنه سلوك اندفاعى مفرط وغير ملائم للموقف وليس له هدف مباشر , وينمو بشكل غير ملائم لعمر الطفل ويؤثر سلبياً على سلوكه وتحصيله ويزداد عند الذكور أكثر منه عند الإناث .
وكثيراً ما يؤدى النضج والعلاج إلى التناقص فى النشاط خلال سنوات المراهقة , إلا أن اضطراب النشاط الحركى الزائد وضعف القدرة على التركيز قد يستمر خلال سنوات الرشد عند بعض الأفراد والذين يمكن تقديم العلاج لهم أيضاً .
الأعراض الظاهرة على الطفل ذى النشاط الحركى الزائد :
- الشرود الذهنى وضعف التركيز على الأشياء التى تهمه.
- عدوانى فى حركاته , وسريع الانفعال ومتهور , ومندفع دون هدف محدد .
- سرعة التحويل من نشاط إلى نشاط آخر . وكأنه محرك يعمل دون توقف .
- لايسطتيع أن يبقى ساكناً حيث يحرك يديه وقدميه , ويضايق تلاميذ الصف .
- الشعور بالإحباط لأتفه الأسباب مع تدنى مستوى الثقة بالنفس .
أسباب النشاط الحركى الزائد :
( أ) العوامل البيولوجية :
إن للوراثة دوراً كبيراً فى حدوث مثل هذا الاضطراب حيث قد يتوارثه أفراد العائلة وهناك سبب آخر وهو نقص بعض الموصلات الكيميائية العصبية بالمخ مما يتسبب فى اضطراب النشاط الحركى الزائد . علماً بأن هذا النقص يتلاشى بالعلاج الدوائى .ِ
كما أن نقص نضج المخ نفسه يؤدى إلى انخفاض فى النشاط المخى خصوصاً فى النصفين الكرويين بالمخ . وقد يكون من المسببات البيولوجية حدوث تلف بالمخ نتيجة تعرض الأم لمواد ضارة أثناء الحمل مثل التدخين أو تعاطى بعض الأدوية , وأحياناً نتيجة للولادة قبل الأوان أو لعسر الولادة , مما ينتج عنه التلف لبعض خلايا المخ بسب نقص الأوكسجين .
(ب) العوامل الاجتماعية والنفسية :
وهى تشمل : عدم استقرار الأسرة , حيث تتعرض بعض الأسر لاضطرابات اجتماعية ونفسية واقتصادية : تخل بالعلاقات بين أفرادها وتؤثر عليها ويكون الأطفال أكثر عرضة لنتائج هذا الاضطراب، وسوء الظروف البيئية : مثل التلوث بالسموم والمعادن كالرصاص المؤدى لزيادة الحركة عند الأطفال , انتقال الطفل إلى – بيئة جديدة كبيئة المدرسة دون تمهيد وتهيئة نفسية مما قد يسبب إضراب نقص الانتباه لذلك الطفل .
نقص الانتباه:
ويعرف نقص الانتباه وضعف التركيز على انه ضعف قدرة الطفل على التركيز فى شىء محدد خاصة أثناء عملية التعليم .
وقد يأتى هذا الاضطراب منفرداً , وقد يصحب بالنشاط الحركى الزائد والاندفاعية غير الموجهة , وتكون له مظاهر منها : القلق والاضطراب والتوتر والانطوائية والخجل والانسحابية , والابتعاد عن مواجهة الآخرين وقصر فترة الانتباه أثناء المهام المدرسية أو أثناء القيام بأى نشاط يحتاج إلى انتباه , وصعوبة متابعة التوجيهات والارشادات الموجهة إليه وكأنه لا يستمع إلى المتحدث .
علاج النشاط الحركى الزائد المصحوب بالاندفاعية ونقص الانتباه :
يتطلب علاج الأطفال المصابين بهذا الإضطراب التعاون بين كل من الطبيب والوالدين والمعلم والأخصائى النفسى , وذلك من خلال الوسائل العلاجية الآتية :
أولا : العلاج الطبى (الدوائى ) :
ويتم ذلك فى العيادة الطبية حيث يفحص الطفل من قبل طبيب الأطفال أولا للتأكيد من سلامته السمعية وخلوه من الأمراض المعدية أو غيرها ومن ثم يحال إلى الطبيب النفسى أو طبيب الأمراض العصبية وهو بدوره يحصل على اكبر قدر ممكن من المعلومات عن طريق الوالدين والمدرسين والمرشد الطلابى ومن كل من له علاقة مباشرة فى التعامل مع الطفل
وبعد التشخيص يمكن أن يصف له عقار ولا يستخدم إلا تحت إشراف الطبيب المختص .
ثانياً : العلاج السلوكى : ويشتمل على :
(أ) تدعيم السلوك الإيجابى :
يتم ذلك من خلال تقديم معززات مادية مثل الهدايا ،ومعنوية مثل المدح والتشجيع والتقبيل ، او معززات رمزية مثل النجوم حال وقع السلوك المرغوب , ومن ثم يتم استبدال هذه المعززات الرمزية بمعززات عينية مثل النقود والهدايا .وذلك على كل سلوك ايجابى يصدر عن الطفل.
(ب) العلاج السلوكى المعرفى :
ويسعى هذا النوع من العلاج إلى التعامل مع خلل سلوكى محدد مثل الاندفاعية , أو خلل معرفى مثل التشتت الذهنى ( نقص الانتباه ) فيتم تدريب الطفل على تخطى هذه المشكلات .
إن أهم المشكلات التى تواجه الطفل المصاب بهذا الاضطراب هو نقص القدرة على السيطرة على المثيرات الخارجية , ولذلك يحتاج هذا الطفل غلى برنامج متكامل وفق الآتى:
المرحلة الأولى : تتضمن تأمين وتهيئة بيئة اجتماعية تقل بها المثيرات الخارجية , وخاصة خلال الجلسة التعليمية أو أداء الواجبات المنزلية .
المرحلة الثانية: تطبيق أساليب وفنيات العلاج السلوكى مثل التدعيم الإجابى والسلبى والعزل , حيث أن هذا الطفل يحتاج إلى معززات خارجية أكثر من غيره من الأطفال .
المرحلة الثالثة :تدريب الطفل على عملية الضبط والتنظيم الذاتى لسلوكه , حيث أن هناك مجموعة من الفنيات العلاجية لسلوك الطفل غير المرغوب فيه داخل الأسرة أو فى المدرسة , ولكن يتضافر جهود الجميع يصبح العلاج فعالا .
ثالثاً :التوجيه والإرشاد النفسى والتربوى : حيث يشمل على ما يلى :
- توجيه وإرشاد الوالدين إلى كيفية التعامل داخل المنزل مع الطفل المضطرب , من خلال التعريف بهذا الاضطراب وطرق التعامل مع سلوك الطفل وأهمية تطبيق تعليمات الطبيب المختص وتوظيف الألعاب المناسبة فى ذلك .
توجيه وإرشاد المعلمين إلى كيفية التعامل مع الطفل داخل المدرسة .
توجيهات عامة للمرشدين والآباء والمعلمين : - عدم الحكم على الطفل بأنه مصاب باضطراب نشاط حركى زائد إلا بعد ملاحظته ومراقبته ( مدة لا تقل عن ستة أشهر ) للتأكد من وجود التشتت والعدوانية والسلوك المندفع المصحوب بنشاط مفرط ( غير عادى) يمارسه الطفل .
وذلك من قبل الولدين والمعلمين والمرشد الطلابى .
- الأخذ فى الاعتبار أنه قد يصاب بعض الأطفال بتشتت وضعف تركيز دون النشاط الحركى الزائد لأسباب متعددة .
- يجب على الآباء مراجعة الطبيب المختص . وعلى المرشدين تحويل الطفل إلى وحدة الخدمات الإرشادية فى حال الشك بأنه يعانى من هذا الاضطراب بعد الملاحظة للوقت الكافى .
- عدم استثارة الطفل المضطرب حتى لا تزيد عدوانيته , حيث أن العدوانية هى السلوك الغالب عليه .
- إبعاد الأشياء الثمينة والخطرة والقابلة للكسر عن الطفل .
- يحتاج هذا الطفل إلى علاقة حميمة للتأثير فيه , وتوجيه سلوكه , مع التعزيز اللفظى والمادى بالثناء والمديح وتقديم مكافأة مادية له عندما يقوم بنشاط مقبول وهادف , ( وهذا يناسب الأطفال الأصغر سنا ).
- يحتاج هذا الطفل إلى الضبط لتعديل المواقف دون اللجوء إلى العنف أو الاستهزاء , ويمكن إجراء التعاقد التبادلى , حيث يتم الاتفاق مع الفرد المضطرب ووالده أو معلمه على تقديم مكافآت فى مقابل التقليل من النشاط الزائد ( وهذا يناسب الأطفال الأكبر سناً والمراهقين ).
- يحتاج الطفل المضطرب إلى تدريب تدريجى ومستمر للجلوس على الكرسى دون حركة مفرطة أطول فترة ممكنة .
- تقسيم المهارات المطلوبة والواجبات إلى وحدات أصغر لإنجازها وفق جدول منظم .
- تذكير الطفل بالعودة إلى عمله الذى يقوم به فى المدرسة أو فى المنزل مع أهمية تطبيق نظام ثابت من المتوقع أن يستطيع الطفل تطبيقه بدقة , مع ضرورة التعزيز الفورى , وأن ينفذ وفق خطوات سهلة وواضحة وقليلة .
- مراعاة أن اللعب مع شخص أو شخصين أفضل من اللعب مع مجموعة .
- توجيه الطفل إلى الألعاب الهادئة والمفيدة بشكل عام .
- إن هذا الاضطراب يؤثر على مستوى التحصيل الدراسى للطفل . ولكن بتضافر الجهود بين المدرسة والمنزل يمكن الأخذ بيد الطفل إلى بر الأمان بأذن الله رب العباد.