بعد قراءة المقال رأيت له عنواناً على استنتاج المقال هو "أسلمة الأديان"، كتب الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون مفتي الجمهورية العربية السورية
في الأسبوع الماضي، وفي حديثنا عن الإسلام والشرائع، أكّدنا أنّ الإسلام جاء رسالةً تحتوي كلّ رسالات السماء، فلا يمكن أن يحمل المسلم عقيدته في قلبه إلّا إذا حمل في قلبه أيضاً عقيدة كلّ الرسل الذين جاؤوا من عند الله عز وجلّ.
لذلك، على الذين يدرسون تاريخ الأديان ويقولون إنّ الأديان ثلاثة، أن يعيدوا النظر. فالأديان في عقيدتها واحدة، ولكن في شرائعها متعدّدة، وجاء ذلك في قوله تعالى في سورة الشورى: «شرّع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا».
فالدين واحد عند الله عزّ وجلّ، ما جاء به إبراهيم هو سماكم المسلمين، وما جاء به سيّدنا موسى وجّه قومه ليكونوا مستسلمين لله لا لفرعون. وما جاء به سيّدنا عيسى هو الذي قال لرجال المعبد: «كونوا عباد لله لا لشهواتكم». وما جاء به نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم محمد: «إنّ الدين عند الله الإسلام». أي الدين الذي نزل مع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى هو الاستسلام لله، لذلك كان استنساب المسلمين صفةَ الدين الذي هو الاستسلام لله، واستسلام الإنسان لله يعطيه حرية المعتقد وأخوّته الصادقة لكل البشر الذين هم عباد الله. وعبيد الله الذين هم في كلّ الكائنات عبيد للسيّد الواحد سبحانه، وعباد للسيد الواحد سبحانه. «إنّ كلّ من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا». لأنهم ملك الله وصنع الله وهم عبيد في خلقهم ووجودهم وأحرار في حركتهم وتصرّفهم. فقد قال الله تعالى: «وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون».
وبما أنّ جوهر الأديان واحد، فهل صحيح أنها تتصارع وتتصادم؟ وهل صحيح أنها تتقاتل؟ بما أن المشرّع واحد سبحانه تعالى، وبما أنّ الخالق واحد سبحانه تعالى، لا يمكن للأديان أن تتقاتل، فالتصادم جرى من قبل بعض من سُمّوا رجال الدين، مَن فسّروا النصّ في مظلّة التوجّه السياسي.
فانظروا إلى اللعب في الدين كيف يقتل الناس فيه بعضهم بعضاً بِاسم الدين. وهذا ما يفعله الصهاينة بحجة أنّ الله وعدهم بالأرض المباركة، فيطردون أهلها ويقتلون أبناءها ويدمّرون مبانيها بحجّة أنّ الله أعطاهم، وهذا بدأ يتسرّب لبعض أبناء المسلمين في قضية الخلافة. فهل الخلافة نصّ إلهيّ أن يكون هناك خليفة؟ أم يجوز أن يكون هناك جمهورية أو ملكية أو إمارة أو سلطان؟ فكل هذا اخترعه المسلمون ليقودوا حياتهم الدنيوية، أما حياتهم الدينية فمنهجها واحد، قرآنها واضح، وسنّة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلّم واضحة. وحين وُلّي أبو بكر الصدّيق خليفة، بويع حاكماً للدنيا لا حاكماً في الدين. فالحكم في الدين يقع على أبي بكر وعلى غيره، فقال الصحابة باختياره حاكماً قالوا رضيه رسول الله لديننا أن يصلّي فينا إماماً ألا نرضاه لدنيانا خليفة؟
إذاً، الخلافة من شؤون الدنيا لا من شؤون الدين، وعلى الخليفة أن يكون تحت مظلّة القيم والإيمان والدين، كما على المواطن أيضاً أن يكون تحت مظلة الإيمان والدين. والدين لم يتصادم في تاريخه – في لحظة من اللحظات- مع حقوق الإنسان في دنياه. فالدين إن كان مسلماً أو موسوياً أو عيسوياً، ننظر في شريعته إلى كلمتين لا ثالثة لهما: قداسة الإله الديّان وكرامة الإنسان هي محور رسالات السماء. فهل نعي ذلك وهل نستوعب ذلك حتى نعيد النظر؟ هل نبني المساجد والكنائس أم نبني الساجد والعابد؟ فالإنسان محور الكون، والله خالق الكون، وخلق الكون من أجل الإنسان كما ورد في سورة لقمان: «سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ … وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً».
وإلى أبناء الأمّة دعوة إلى التأمل بأنّ الدين أتى لسعادتنا ووحدتنا وجمع كلمتنا لا لتفريقنا. وإنّ أمّة تقرأ قول رسول الله «الحمد لله رب العالمين» لن تستطيع أن تصنع مستقبلها إلّا من خلال العودة إلى روح الدين وسرّ الشرائع في الدين، ويعيش العالم في سلام. وعندئذٍ نقول: «إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم».
انتقاء فايز انعيم