يؤلمني أن تنحدر من يُظَن أنها قامات إعلامية مصرية إلى درجة من السذاجة في تناول العلاقات الاستراتيجية الدولية. في لقائها مع هيكل، تفترض لميس الحديدي أن ليس على مصر أكثر من النيّة وتستغرب من
"وعايزنا نرجع زي زمان؟ قول للزمان إرجع يازمان".
يُلاحظ على هيكل تركيزه على الــ
40 سنة من تدمير ممنهج لأمن مصر الاستراتيجي ولم يعد يقول
30 سنة مبارك وهو ما كنت أقول به منذ بدأت الكتابة على
زيدوني، بل ويتناغم بالـ
40 سنة مع ما بدأ يشيع في أوساط المثقفين بمصر. كما لوحظ إصراره على القضية السورية ليوضح سبب متانة التعاضد الروسي المتناسب مع جدية سوريا مما أزلق لسان لميس بقول
واحنا مالنا بسوريا، أنا بتكلم عن (أعني) تلكؤ الاتحاد الروسي بالاستجابة فيضطر الرجل لجغرفة أمن مصر الاستراتيجي وأنه تاريخيا باتجاه الشمال أولاً ثمّ بالقول أن موسكو تختبر جدية مصر في إعادة التمحور وهو ما كان محل تعليقي أن مصر تتأخر عن الركب.
كانت صدفة أن يشير مقالي السابق على هذا "هندسة عين شمس بين ..." إلى
طرد السادات للخبراء السوفييت بل وتحوله بالكامل لحرب الوجود السوفييتي بأفريقيا وآسيا فهو أشار لأرسال المجاهدين لأفغانستان وما ترتب عليه من تكوين فصائل مجرمة بعمامة متأسلمة على رؤوس بلا عقول. واستكمالاً لحرب السادات على السوفييت فقد أوقف تسديد مصر للقرض السوفييتي
(حوالي 2 مليار دولار بفوائد منخفضة) بمنتجات جلدية وزراعية واستمر التوقف خلال عهد مبارك ولا تأكيد عندي هل عادت مصر للتسديد أم لا، غياب هذه المعلومات عن أذهان فطاحل الاعلام يضع طروحاتهم على السذاجة والبلاهة.
مر هيكل على إهمال علاقات مصر الإفريقية سريعاً دون أن يتاح له الإضاءة على ما يمكن أن أسميها (
أزمة منطق المحاورين المصريين) مستعرضاً أزمة مياه النيل مع اثيوبيا والسودان:
- حاربت مصر إثيوبيا على جبهتين أولهما جبهة إريتريا التي قطفت إسرائيل ثمرة استقلالها كما قطفت ثمار استعداء أثيوبيا بأن العرب هم من تسبب في فقد إثيوبيا لإطلالتها على كل البحار.
- ثمّ عن طريق الصومال في حرب أوجادين والذي انتهى إلى اللادولة الصومالية.
- وعن السودان فحدّث ولا حرج عن دور مصر في تكوين وتدريب وتسليح جيش تحرير جنوب السودان فانفصلت جنوب السودان التي وقعت كذلك ضمن الهيمنة الاسرائيلية.
- وعن سد النهضة حدّث ولا حرج وأختصره بأن كل ما يتردد عن التشكيك في التصميمات وفي متانة الانشاءات والتحذير من تهدمها لأجد نفس الانتقادات والتشكيك قد مارسه بعض مثقفي مصر على السد العالي وبحيرة ناصر والموقف هذا مسجل تفصيلا في الجزء الثاني من موسوعة
شخصية مصر للدكتور جمال حمدان .
إذن من السذاجة والبلاهة ألا تخضع نوايانا مع من أسأنا لهم كثيراً للاختبار ومتفائل بعودة مصر لطبيعة الوفاء المتأصلة فيها.
فايز انعيم