لعلنا نصل في سلسلة مقالات
تأبط شراً إلى كشف معالم فلسفة الصعلكة مضيئاً على حقيقة هامّة أن العرب ربطوا الصعلكة بجنوح شعراء جيدين –على ما كان متاح لهم من اعتلاء مكانة اجتماعية رفيعة- جنوحهم إلى إزدراء قيم التوافق الاجتماعي والتفاخر بها، فتحول الصعاليك إلى مسبات أقوامهم بدلاً من فخرها فتبرؤوا منهم وكشفوا عنهم الحماية القبلية لدمائهم. وبلتحق بالصعاليك عادة شذاذ آفاق فيتخذونهم عضداً لهم في إغاراتهم على الآمنين.
رحيل يهود الجزيرة عنها –بعد قرار الرسول (ص) بطردهم من الجزيرة، إذن هم عايشوا ثقافة "تأبط شراً" الذي مثّل جزءً من مجتمع الجزيرة العربية وأزعم أنهم خزّنوا في ذاكرتهم –ليس فقط ثقافة الصعلكة بل كذلك الواقع القبلي وتنافساته بل وتفاهة أسباب حروبهم البينية وشراستها.
أشرنا في مقال سابق ليس فقط توافقهما على تعريف غيلانهم بل كذلك في تسونامي مخاوفهما التي تعدت غولهما المشترك إلى خوفهما من انحسار الغطاء الأمريكي المشترك –كذلك- عنهما، كما قلنا أن فكر الحضارات بإيران والشام أدرك أن
تأبط شراً السعودي قد يسقط بالكامل –وبجهالته البدوية- في حضن صعلوك الفكر الاسرائيلي فبادروا مع المتأبط شراً بالعصا والجزرة على أمل أن يدرك أن في ثقافة الحضارتين استقراء زوال كيان إسرائيل وأن ارتباطه بإسرائيل معناه نهاية كيانه فالصعلكة نهايتها لن تختلف –إطلاقاً- عن نهاية
تأبط شراً.
إسرائيل في مأزق كارثي بدأ مع معركة 73 التي هزّ قناعة –التي ظنتها دائمة- خلقتها نكسة 67 وأعادتها إلى هاجس شرعية الوجود، ومع صمود الشام –
خاصة بعد ثورة إيران وإزاحة الشاه عميل اسرائيل فاستقبله البطل السادات على أرض مصر متناسيا هذا السادات أن وقود دبابات إسرائيل وطائراتها كان منحة الشاه في معركتي 67 و 73- وظهيرها إيران غرق هاجس شرعية الوجود في تهديد فعليٍّ للوجود، خاصة بعد انتصار 2006 والانتصارات التكنولوجية في إيران وسوريا وحزب الله.
محللي الشام أصبحوا في اتفاق تام على أن إسرائيل تحضِّر لحرب محدودة قياساً على تاريخها الدموي منذ وعد بلفور بتمويل سعودي، وتسعى -بعد التخلّي الامريكي عن خوض أي حرب أخرى بالشرق الأوسط- إلى أن تضمن لها أمريكا فقط ألا تمتد هذه الحرب والاستقراء لنا –كمحللين- يقول بأن رحلة كيري تتشابه مع رحلة سكرتير الدفاع الأمريكي لتل أبيب أثناء الانتخابات الأمريكية وكلا الرحلتين أجزما
أن لا ضمان أمريكي.
وأستقرئ أن رحلة نتنياهو لروسيا لمسعى تطمين لروسيا أن الحرب محدودة فكان الرد الروسي تأكيد أن يعلم علم اليقين أن قرار جبهة الشام ألا حرب محدودة من الآن فصاعداً وأكبر دليل على ذلك –أضاف بوتين- أن الشام وإيران لم يهتزوا بالتهديد الأمريكي بضربة محدودة بل على العكس هددا بالردود الشاملة وأضاف –حسب تحليلي- بوتين قائلاً: كما لم تضمن لكم أمريكا المحدودية فالاتحاد الروسي لا يستطيع ضمانها لكم. وأستقرئ كذلك أن ذهاب بندر بن سلطان لروسيا كان لذات الهدف المحدود لكنه كذلك أخذ ذات الجواب.
وأستقرئ كذلك –وفي الربع ساعة الأخير من انتصار سوري بيّن- أن التوقيت غير مناسب لجبهة الشام في الانجرار لمعركة ليس وقتها مع استقراء واضح أن قرار المعركة الفاصلة متخذٌ لكن التوقيت لم يتحدد بعد مؤكدا –بذات الوقت- دنوّها.
رحم الله منديلا وبث فينا صبره وإصراره ورحم الله بطلنا
حسان اللقيس وحفظ لأبناءنا علمه وتصميمه وإخلاصه.
فايز انعيم