كأني لا أملّ من انتقاد ضعف التحليل الاستراتيجي وما ينتج عنه من وهم شديد في تصور المستقبل الذي يؤدي بالمخطط -المفترض وجوده- لتوصيف مسارات رخوة ينزلق بها الوطن إلى مستنقعات بعيداً عن الأرض الصلبة. وعذركم لي على أمل أراه أن مصر ولّادة وستبقى تطرح من ولدها من يقّوم المسار ان شاء الله يقيناً.
كم هالني ركاكة ما علّق به كثيرٌ من ضيوف قنوات مصر سياسياً واستراتيجياً منذ التهديد الأمريكي بضرب سوريا -والذي أكدت أنها لن تحدث- واستمرت الركاكة بعد إعلان المبادرة الروسية بوضع الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية والأعجب استمرار الركاكة بعد إعلان الاتفاق الروسي-الأمريكي وتوقيعه بالأحرف الأولي.
أقتصر من الاتفاق على الفهم الاستراتيجي لتعبير "الرقابة الدولية" والذي لا يعني أبداً "التفكيك الفوري" فهو -لمن يقرأ جيداً- يعني بسط مسار تنظيف منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وبالتالي تجريد كل دوله القائمة حالياً من امكانية استعمالها إذا تصاعدت النزاعات البينية بالمنطقة.
كنت أتوقع أن يلاحظ الأذكياء أن الاتفاق:
1. لم يتطرّق لإنهاء نزاعات دول وشعوب المنطقة بل أبقت لها سعيها لاسترداد الحقوق أو لتكريس الاغتصاب وهضم الحقوق.
2. وأنه يقونن ويثبّت طلب رفعته سوريا للأمم المتحدة عام 1982 -أي والله 1982- بفرض خلو منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل خاصة بعد تنازل مصر بعد كامب ديفيد عن شرط تزامن توقيع إسرائيل والدول العربية على اتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية توقيها حيث بادرت بالتوقيع عليها. وكمدت حنقي -ليلة البارحة على تصريح لنائب وزير خارجية سابق يوحي بأن مصر لم توقع على عدم انتشار الأسلحة النووية.
3. سيل التصريحات الروسية الرسمية التي صدّت وردّت ونقضت كل التصريحات الأمريكية وتصريحات أدواتها وتصريحات الأمم المتحدة وأهمها أن
لا تفكيك للكيماوي تحت تهديد سوريا بالقصف والذي يفرض ببساطة أن على أمريكا المبادرة بالرجوع عن التهديد بل وعدم العودة له بل كذلك والتنبه التام للقوانين الدولية وسيادة الدول.
4. وكنت أتوقع كذلك إدراك سقوط القطب الواحد وبلطجته وسقوط العولمة واستباحة استقلال الدول الصغيرة.
5. التقدم الروسي لقيادة سلام العالم مسنودة بالصين والبريكس، وتقدم سوريا لقيادة توجه جديد لا يفرط بالحقوق مسنودة بإيران.
6. أن موقف الروس والصينيين ليس بدافع اقتصادي -أكرر ليس بدافع اقتصادي- لكنه بدافع
أمنهم الاستراتيجي.
ساترككم مع صوت ناصر قنديل يسعد به يومكم وزمنكم وكلامه على صلة بالموضوع.
فايز انعيم