غيّرت العنوان لمقدمة نشرة الاخبار المسائية المُذاعة على قناة توب نيوز اليوم. المقدمة تتفق مع ما سبق وكتبت به من رؤياي في التهديد الأمريكي لسوريا. قال ناصر قنديل:
هل وقعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ضحية كمين روسي إيراني جرى ترتيبه مع القيادة السورية بعناية فائقة؟
الإرتباك الذي بدت ملامحه بارزة على ملامح الرئيس أوباما في حوار أراده فجر اليوم لتسويق مشروع الحرب على سوريا، فخرج مخفقا وسط زحمة تساؤلات غضت بها الصفحات الأولى للصحف الأميركية، وبدا أنها أسوأ الأيام الرئاسية على الرئيس الذي تباهى على الدوام بكونه الأقدر على فهم وتلمس نبض الشارع الأميركي.
فشل أوباما بإقناع الأميركيين بكل ما حشده من حجج ليبدو مقنعا، فالذين يريدون الإستعجال بالذهاب إلى الحرب نفروا من تردد أوباما ووضعه شرطين مستحيلي التحقق لضمان السير في ما بدأه تحت عنوان الضربة العسكرية لسوريا والشرطان هما الإطمئنان إلى أمن إسرائيل والتيقن من عدم تأثر تدفق النفط، أما الذين كانو قد إنتخبوا اوباما على خلفية معارضتهم لسياسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش وجدوا أنفسهم أمام نسخة جبانة من بوش، فأوباما يذهب لعمل عسكري ضد دولة لم تتورط بتهديد مباشر للأمن القومي الأميركي، وبعنواني الديمقراطية وسلاح الدمار الشامل، وهي العناوين التي خاض الإنتخابات على أساسها اوباما كمآخذ على سلفه، وها هو يهدي نصرا لتنظيم القاعدة بصورة يستطيع بوش القول انه لم يكن يتوقعها في العراق.
أوباما هو مجرد نسخة جبانة من جورج بوش، هي معادلة الناخب الأميركي بعد الإطلالة الباهتة فجرا، والسؤال الحزين الذي لا يلقى له الأميركيون جوابا هو لماذا؟
لقد نجح رئيسهم بإقناعهم بصرف النظر عن المطالبة بالتدخل العسكري طالما ان شروط التدخل ترتبط فقط بالتنسيق مع روسيا والصين وبقرار يصدر عن مجلس الأمن، و إلا قضية تطال من يجاهرون ويتورطون علنا بتهديد الأمن القومي الأميركي، والمقصود هنا تنظيم القاعدة وحدها، وها هو يهديها حربه الجديدة علنا كما كتب روبرت فيسك في الأندبندنت يوم أمس.
لماذا وضع الرئيس نفسه في هذا المأزق؟
متابعون من رجال الديبلوماسية السرية بين العواصم الإقليمية الفاعلة يؤكدون ان وراء ورطة اوباما التحريض الإسرائيلي والإغراء السعودي معا ويبدو ان أوباما في ولايته الثانية وقد تحرر من الضغوط الإنتخابية قرر ضمان مكانته السياسية بدعم اللوبيات الصهيونية والمال السعودي الذي كان يلتزم أوباما بالتنسك عنه كمثال لمقاومة الفساد ويبدو اليوم قد ضعفت مقاومته لإغراء المليارات التي حملها له بندر بن سلطان.
بدأ التفكير بكيفية حل المعضلة الصعبة بين عدم التورط في الحرب كما إلتزم أوباما لشروط البنتاغون وجنرالاته السبعين، الذين أبلغوه ان اي مواجهة في سوريا تتحول إلى حرب لن تلقى موافقتهم، و بين السعي لعمل عسكري، بعدما وصلت الجماعات المسلحة حد الإنهيار وكان آخرها فشل نخبة تنظيم القاعدة في الحفاظ على مواقعها في ريف اللاذقية وغوطتي دمشق، ومترتبات تمادي الإنهيارات وتواليها على كل من السعودية وإسرائيل سلبا، وعلى روسيا وإيران إيجابا، فكانت وصفة سوزانا رايس وبندر بموافقة تشاك هاغل وجون كيري بتسويق نظرية ضربة محسوبة، تحظى بقبول ضمني روسي وإيراني بتطمينهما أن إسقاط النظام والنزول إلى اليابسة لن يكونا واردين.
تعهد بندر بزيارة موسكو وجس نبض الروس و إيفاد يوسف بن علوي وزير خارجية عمان إلى طهران، وكانت نتائج الإتصال الأولي بالقيادتين الروسية والإيرانية مطمئنا إلى إمكانية المتابعة ، وهذا سابق للحديث عن السلاح الكيميائي في الغوطتين ، فتم تصنيع الحادث بعناية وإنطلقت آلة التصعيد حتى إجتماع عمان لقادة جيوش عشرة دول مرشحة للمشاركة في الحرب المحدودة، التي كان يراد لها ان تؤدي لإنهيار سريع لقدرة الجيش السوري وترك المسلحين يسيطرون على دمشق خلال ساعات، بخدعة تنطلي على الروس والإيرانيين، وفورا مع التصعيد والتأكيد على محدودية الأهداف طرحت على الطاولة الرشوة المعروضة على موسكو بإعلان العودة للمشاركة في قمة موسكو الإقتصادية وإنجاحها بقمة ثنائية لأوباما وبوتين، وبالنقابل إحياء التفاوض الإيراني مع الغرب حول الملف النووي بشروط ميسرة، وطار كل من سلطان عمان وجيفري فيلتمان إلى طهران وفتح كيري الخط الساخن مع لافروف.
على إيقاع التوغل الأميركي في ترتيبات العمل العسكري يوما بيوم كان يتصاعد الموقف الروسي والإيراني يوما بيوم، فتعلن موسكو بداية أنها تنصح بعدم التورط بالعمل العسكري وهي لن تتورط بأي مواجهة إذا حدث ذلك، وتتابع بعد يوم إنها تحذر من خرق القانون الدولي وتليها في اليوم الثالث بإعلان ثقتها ان لا نصر سيكون متاحا للأميركيين، وفي الرابع أن عقود السلاح مستمرة لحساب سوريا وستستمر، و تختم بإعلان إرسال مدمرة متخصصة بإسقاط الصواريخ وغواصة محملة بتجهيزات رصد ورادارات إلى البحر المتوسط، بينما كانت إيران التي أرسلت للأميركيين رسالة حازمة بأن الحرب على سوريا ستفجر المنطقة وإكتفت بذلك، تابعت في اليوم الثاني على ألسنة شخصيات نيابية وغير حكومية بان تل أبيب ستدمر وأن الخليج سيشتعل، ويتوجها قائد فيلق القدس وقائد الحرس الثوري في يوم واحد بدعوة الجنود الآتين للمنطقة ليصطحبوا توابيتهم معهم.
الروس مستنفرون والإيرانيون يستعدون وحزب الله في أعلى جهوزية والرئيس بشار الأسد يختصر المشهد بالقول كنا ننتظر لحظة ظهور سيد الحرب مباشرة وخروجه من وراء الستار لنقاتله وننتصر.
في طهران وموسكو من يقول ان واشنطن العجوز قد شاخت وان إستدراجها إلى ما بين خيارين أحلاهما مر سيكون مقتلها، فإما التقدم نحو الحرب أو التراجع، وكلاهما سقوط في كمين أعد بصورة محكمة كما يقول العارفون، فقد حانت الساعة لأن تقع واشنطن بشرور أفعالها، ودقت ساعة خروجها الذليل من المنطقة.
قال صحفي روسي أن
الرئيسين فلاديمير بوتين وحسن روحاني ختما محادثتهما الهاتفية أمس بضحكة كبيرة وصلت أصداؤها للبيت الأبيض بينما كان الرئيس السوري يتبلغ من كل منهما على حدة تفاصيل المحادثة ويضحك مرتين.