منذ بدأت الكتابة في زيدوني ركّزت على تنشيط الذاكرة التاريخية لإيقاظ الوعي الاستراتيجي بيننا في محاولة لوقف الانحطاط الذي انزلقت له مصر بعد أن فرّطت في مواقع القيادة العربية والافروأسيوية والاسلامية. وأخطر ما تمثل به هذا الانحطاط ثقافة قطعان وطنية الألتراسات التي أشعلت حروباً مع أشقاء عرب واستمر انحطاطها بإشعال حرب القاهرة-بورسعيد.
هذا المدخل -الذي قد يبدو بعيداً عن العنوان- فرضه ما تأكد لي من غياب الوعي الاستراتيجي عند ما يُفترض فيهم من قيادة حالية أو مفترضة لهذا البلد الحبيب وعند ما يُفترض فيهم كخبراء اقتصاد وهندسة وكصحافيين وكمحللين وكمخططين وكل مخرجاتهم كانت هراء في هراء وصل بعضها في هراءه لمستوى تهديد فرزدقي لمربعٍ بالقتل ليُردّ عليه بما قال جرير "أبشر بطول سلامة يامربعاً".
لعلّي أعود بكم لتاريخ انحطاط علاقة إثيوبيا –التي لا زالت تعرض في شوارعها صور عبد الناصر- بمصر بعد وفاة عبد الناصر أو بالأحرى بعد حرب 73. أيها السادة، بعد أن قرر السادات أن حرب اكتوبر 73 هي آخر الحروب مع اسرائيل وضع مصر في حرب مع الاتحاد السوفيتي –وفاءً له من مصر على إعادة بناء الجيش المصري الذي انتصر في الأيام الأولى من حرب أكتوبر- شملت جبهة أفغانستان وجنوب السودان و الصومال وأثيوبيا.
لنركز على اثيوبيا ذات الأغلبية القبطية التابعة كنسياً لكنيسة الاسكندرية. السادات ياسادة استنهض الاخوان –كما تعرفون- لتشوية الناصرية محلياً لكنه وظّف الأسلمة لمساعدة حركات تمرّد أقلية إسلامية على تعايش مسلمي أثيوبيا على مر التاريخ الذي بدأ مع استضافة وحماية هجرات مسلمي مكة الأوائل بما حصرها دون أي إطلالة على بحر بعد انفصال أريتريا التي استلمتها اسرائيل بعد ذلك لتعمل ضد كل مصالح العرب والمسلمين الذين ساعدوها. تسبب هذا التدخل في غضب أقباط مصر خاصة بعد أن أعلنت كنيسة أثيوبيا الانفصال عن كنيسة الاسكندرية عتباً على عجز أقباط مصر عن حماية مصالح أقباط أثيوبيا. وزاد من الشرخ في العلاقات حرب مبارك على أثيوبيا بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال بأديس أبابا على يد من زرعهم السادات باثيوبيا وعلى أيديهم كذلك تم اغتيال السادات. بمناسبة إعلان الحرب على السودان أذكر بأن لبنات جيش تحرير السودان بقيادة جون قرنق بدأت من مصر السادات تدريباً وتسليحاً حتى وصلنا إلى انفصال جنوب السودان الذي كذلك وقع –كاريتريا- في قبضة اسرائيل. ما رايكم دام فضلكم في عبقرية السادات الاستراتيجية التي أرى كثيراً من المصريين –بغيبتهم- يتغنون بها؟
تأثير سد الألفية على ماء وكهرباء مصر:
لا أدعي أني درست حالة سد الألفية الاثيوبي بالخصوص لكني أعرض قواعد عامّة تحكم مشاريع السدود العملاقة وتوليد الطاقة الكهربائية مبنية على كوني "مهندس كهرباء قوى" خريج عين شمس عام 1973.
1. تنزل الأمطار بغزارة على هضاب اثيوبيا تتجمع في بحيرة فيكتوريا التي تدفع الماء إلى السقوط كشلال من ارتفاع يزيد عن 140 متر. أشير إلى كمية الرذاذ المنفلت من الماء أثناء سقوطه يتحول إلى بخار ماء وهو فقد كمية الماء التي تجري بالنيل الأزرق وهو أحد رافدي نهر النيل الواصل لمصر.
2. توليد الكهرباء يتم بالاستفادة من اندفاع الماء وليس بابتلاع الماء واندفاع الماء يعتمد على منسوب المساقط وكمية المياه الساقطة.
3. بناء السدود على مجاري الأنهار يهدف إلى:
a. حماية شواطئ الأنهار من فياضانات تدمر البنى الاقتصادية والخدمية b. والهدف الأهم تخزين طاقة موضع في ماء على منسوب ثابت لماء يندفع لتدور التوربينات بسرعة ثابتة لتوليد كهرباء عند ذبذبة وفولطية ثابتةتين 4. تقل كمية الرذاذ الناتج عن اندفاع الماء خلال التوربينات الواقعة على منسوب أقرب من سطح مجرى النهر ويقل بالتالي فاقد الماء الناتج عن التبخير.
5. إذن استمرار وصول الماء للنيل الأزرق سيوصله لنهر النيل بالضرورة والذي سينتظم بالضرورة بعد امتلاء مسطح المائي الصناعي خلف السد وقد اتوقع نقصاً ضئيلاً في كمية الماء السنوية الواصلة لمصر والناتج عن تباطؤ سرعة اندفاع الماء بعد السد.
6. وقد أتوقع تأثيرأ ضئيلاً على كفاءة توليد الكهرباء بالسد العالي والذي من المفترض ثبات منسوب مياهه الآن.
7. من الفوائد الجانبية لسد اثيوبيا تتمثل في تقليل الطمي المحمول بالماء الواصل لمصر –على عكس ما يتداوله الناس بمصر- والذي يقلل أعمال إزالة الطمي المترسب خلف السد العالي والذي يؤثر على كفاءة توليد الكهرباء مذكراً أن اهمال أعمال إزالة الطمي المتراكم خلف السد في عهد مبارك العظيم أتلف التوربينات مما اقتضى استبدالها.
ما ذكرت هو أسس المقارنة والبحث لتقييم الضرر والذي أتوقعه قليلاً. وأتفق مع د. فاروق الباز أنه ليس من حقنا أن نمنع إثيوبيا من الاستفادة مما منحها الله بل علينا أن نبقي التفهّم لمصالحهم ونحافظ على علاقات تحفظ مصالحنا. واستنكر هذا التجييش للناس والمبني –كالعادة- على كذب ووهم وجهل وكأن العمل بالسد بدأ اليوم. يا سادة بدأ العمل بالسد عام 2008.
سأجيب على استفساراتكم بعون الله.
فايز انعيم