«الضرورات تبيح المحظورات».. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»
قاعدتان فى الدين الإسلامى تعكسان السهولة واليسر والمرونة التى يتمتع بها هذا الدين الحنيف. وتظهر تطبيقات هذه المعانى حين يتعارض أداء العبادات أو اجتناب النواهى مع الحفاظ على سلامة الإنسان الجسدية أو حتى الحفاظ على حياته.
لكننا فى السنين القليلة الماضية شهدنا ممن يدعون تمثيل الإسلام فى الحياة السياسية الكثير من المغالطات وتغيير المواقف بل وتغيير الثوابت التى يدعون أنها ثوابت باستخدام حجة الضرورات تبيح المحظورات أو درء المفاسد.
من هذه الثوابت مثلا ما كان يفتى به أقطاب شيوخ السلفيين بعدم جواز خروج المرأة للمشاركة فى الانتخابات ناهيك عن ترشحها. إلى جانب الموقف الثابت تجاه الانتخابات وتكوين الأحزاب وآليات الديمقراطية عموما.
بعد الثورة شاهدنا المؤتمر النسائى الشهير الذى نظمته الدعوة السلفية حيث كان دور النساء هو مجرد الجلوس للاستماع إلى رجال الدعوة مثل د. ياسر برهامى وغيره من أقطاب الدعوة وهم يجتهدون فى تبريرهم لتغيير مواقفهم السياسية والابتعاد عن الثوابت الشرعية التى أرساها شيوخهم فى الماضى.
وكانت حجتهم أن هناك الآن ضرورة ملحة ألا وهى إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله فلا مانع من إباحة هذه المحظورات من أجل الضرورة ومن أجل درء مفسدة عدم تطبيق الشريعة وحتى لا يتركوا الساحة خالية للعلمانيين.
تقبلت الكثير من قواعدهم هذه التبريرات كما تقبلت من قبل الاتحاد مع الإخوان، هذه الفئة الضالة المبتدعة كما كان يطلق عليهم فى دروسهم قبل الثورة. ولكن مع ضرورة تطبيق شرع الله فلا مانع من الاتحاد معهم.
مع الإخوان رأينا نفس المنطق مع الإعلان الدستورى الشهير الذى حصن به الرئيس قراراته. فها هو داعية شهير من عينة «أنا مش إخوان ومش طايقهم» يفتى بأن هذا الإعلان ديكتاتورى ومناف للشريعة ولكنه مثل أكل لحم الخنزير وشرب الخمر من المحظورات التى يجب قبولها مؤقتا تحت ضغط الضرورة الملحة وهى بناء الدولة وتمرير الدستور والاستقرار وغيرها من المصطلحات الحمضانة.
أنا عندى سؤال واحد بس: يعنى ايه ضرورة؟
قسم الإمام بدر الدين الزركشى فى كتابه «المنثور فى القواعد» الضرورة إلى خمس مراتب: الضرورة، الحاجة، المنفعة، الزينة والفضول. آخر ثلاث مراتب يتزايد فيها البذخ من أطايب الطعام إلى المحرم من الأكل فى أوانى الذهب.
اما الضرورة فعرفها بأنها بلوغ الإنسان حدا إن لم يتناول الممنوع هلك. يعنى حضرتك مضطر لشرب الخمر أو أكل لحم الخنزير لأنك على مشارف الموت من العطش أو الجوع
أما الحاجة فمعناها أنك ستكون فى جهد ومشقة إن لم تأكل وتشرب هذه الممنوعات وفى هذه الحالة لا يعتبر الأمر فى حكم الضرورة.
اصبر معايا شوية واسمح لى أن أحكى لك هذه القصة من سيرة نبينا الكريم لتعرف إلى أى حد أساء الإسلاميون حجة الضرورة التى تبيح أى شىء ما دامت فى مصلحتهم هم.
أحد الصحابة ويدعى حذيفة بن اليمان خرج هو ووالده أبو حسيل من مكة ليلحقوا بالرسول قبل موقعة بدر. فاستوقفهم كفار قريش وقالوا لهم: «انكم تريدون محمدا» فنفوا ذلك وقالوا: «ما نريد إلا المدينة» فأخذ الكفار منهم عهدا ألا يقاتلوا معه. فلما وصلوا للمدينة قصوا على الرسول ما حدث وكانوا يريدون نقض هذا العهد ليحاربوا مع الرسول. فماذا فعل الرسول وهو يحتاج إلى كل رجل وسيف فى هذه المعركة المصيرية التى إن هزم فيها فربما كانت نهاية الدعوة (مش بنتكلم هنا على أغلبية برلمان أو دستور أو حجة تطبيق شريعة، بنتكلم عن نهاية الدعوة من أساسه فى معركة حياة أو موت). هل قال لهم إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟ هل أفتى بأن العهد الذى قطعوه لكفار لا يعتد به؟ هل اعتبر أن نقض العهد من المحظورات التى يبيحها الحفاظ على الدعوة؟
لا، بل أمرهم بأن يوفوا بعهدهم وقال عن كفار قريش «نفى بعهدنا لهم ونستعين بالله عليهم»
هذا هو الرسول يا سادة. يا من تدعون انه قدوتكم. لم يتنازل عن مبادئ الصدق والأمانة ووفاء العهد حتى مع الكفار. لم يلوِ مبدأ الضرورات تبيح المحظورات حتى مع إمكانية تعرضه للهزيمة بل وفناء الدعوة فى أولها.
أما المتأسلمون الجدد فعلى استعداد أن يلووا ثوابت الدين لصالحهم وحجتهم دائما الضرورات تبيح المحظورات: ترشيح المرأة، الإعلان الدستورى، القرض الربوى. فلا تندهش لو قاموا بتزوير الانتخابات من أجل ضرورة الحصول على كراسى البرلمان أو استكانوا للسلام مع «أعداء الأمة» بعد ان صدعوا رءوسنا بدعوات الحرب عليهم.
سيستمر هؤلاء فى تضليل الناس بحجة الضرورة، والاستعباط بحجة الضرورة، بحجة أنها مثل أكل الخنزير وشرب الخمرة.
السؤال هنا: من كتر أكل الخنزير وشرب الخمرة، الناس دى مش بيجيلها مغص؟
بقلم : باسم يوسف